توفيق حجازى



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

توفيق حجازى

توفيق حجازى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
تم إنشاء موقع الفنان الأستاذ / توفيق حجازي إهداء من حمام مسعد
اجمل التهانى وارق الامانى للعضوه عاشقه الضاد بمناسبه الخطوبه السعيده
بدء دورات الخط العربى بقر الجمعيه

    الخط علم وفن وابداع

    توفيق حجازى
    توفيق حجازى
    Admin


    عدد المساهمات : 682
    تاريخ التسجيل : 04/05/2010
    العمر : 63

    الخط علم وفن وابداع Empty الخط علم وفن وابداع

    مُساهمة  توفيق حجازى الأحد يونيو 27, 2010 12:45 am

    ليس الخط العربي مجرد رسم وكتابة فقط وإنما هو فن وعلم في آن معا وعادة ما يتوصل الخطاط إلى ذروة الإتقان والكمال الفني عن طريق معرفته العالية ببنية اللغة العربية ومدلولها الحرفي، ولهذا السبب احتلّ كبار الخطاطين مكانة كبيرة في المجتمع الإسلامي وذاع سيطهم ليس فقط كخطاطين وإنما أيضا كفنانين وعلماء جديرين بالاحترام، وقد قال عبد الحميد الكاتب ـ الوزير في عهد مروان بن محمد آخر خليفة في الدولة الأموية ـ ( أجيدوا الخط فإنه حلية كتبكم )، لقد ساعدت بنية الخط العربي، وما يتمتع به من مرونة وطواعية وقابلية للمدّ والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب على ارتقاء الخط العربي إلى فن جميل، يُعنى فيه بالجماليات الزخرفية للحروف والكلمات. والخط العربي يعتمد فنًا وجمالاً على قواعد خاصة تنطلق من التناسب بين الخط والنقطة والدائرة، وتستخدم في أدائه فنيًا العناصر نفسها التي نراها في الفنون التشكيلية الأخرى.
    لقد انصرف الناس منذ القدم إلى تعلم هذا الفن ودراسته، معتمدين بذالك على استعداداتهم الفطرية ومواهبهم الطبيعية, فبرز فيه أناس قديرون كشفوا كنوزه الفنية وأوضحوا مقاييسه ونسبه، فكثر بذلك الخطاطون الذين مارسوا هذا الفن، ولما كانوا على درجات متباينة من الملكة في ضبط الخطوط العربية, فقد خلقت هذه الحالة التباين والتفاوت في قدراتهم وأوضحت لنا نموذجين من الخطاطين: الأول: الخطاط الاعتيادي.والثاني: الخطاط المبدع. الخطاط الاعتيادي هو من أدرك أساسيات الخطوط العربية وتعرف على أنواعها و بقي في حدود معرفته الضيقة، ولم يتمكن من مسايرة روح عصره وظل خطه دون غاية قدرته وتوقفت تجربته وتعسّرت لديه ولادة أنماط جديدة فأصبح فنه اعتيادياً لا يؤثر في وسطه.
    الخطاط المبدع هو من أدرك أساسيات الخطوط العربية وتعرف على أنواعها فكان ولعه بها غريباً وإنتاجه جيداً وتراكيبه جميلة, يتمتع بالقدرة على ابتكار أشكال جديدة تفصح عن مهارته وحذقه وقدرته على الحفاظ على أصالة الخط، واستطاع أن يجد لنفسه أسلوباً مميزاً ويمتلك نظرة فاحصة وملاحظة دقيقة متجردة عن الأنانية واستطاع أن يؤثر في وسطه الفني. والإبداع لغة هو المحدث الجديد ويقال (فلان بدع في الأمر) أي أول ما فعله، والإبداع والابتداع هو عند الحكماء إيجاد شيء غير مسبوق بمكان وزمان، وإذا كان الإبداع يتمثل في الكشف عن زوايا جديدة لم يلتفت إليها أحد فمن الطبيعي أن تكون حالة الإبداع في الخط العربي حالة غير عفوية بل وتمكن وراءها جملة أسباب منها:
    مهارة الخطاط المبدع: قدرة الخطاط على ابتكار نماذج فنية جديدة في الخط العربي أو إضافة مبدعة لتكويناته أو معالجة حديثة ومناسبة كل حالة تعبر عن مهارته وحذقه كما أنه يستشعر نشوة الانتصار بالتغلب على مشكلة واجهته للوصول إلى تآلف محبب بين عناصر لوحته ويتمتع الخطاط المتميز برغبة الميل إلى الاستحداث والابتكار وخاصة في فنه وهذا الميل خلق لديه نظرة فاحصة للأشكال والنماذج التي استحدثتها وأثرى بها الخطوط العربية كما أنها ساعدت بنفس الوقت على بثّ روح التطور والنماء في الخط العربي والقضاء على السأم والملل، فالإثارة والإعجاب ناتجة عن مقدرة الخطاطين المبدعين لسعة إطلاعهم وكفاءتهم للوصول إلى أنماط جمالية فريدة أثارت إعجاب الناس وشدت انتباههم، فالخطاط المبدع ينزع إلى الجديد المبتكر الذي يتحدى الخيال ويثير الإعجاب وكان يجمع بين الحيوان والطير والإنسان في صياغة تشكيلية جذابة، كذلك فإن التدريب المستمر والتركيز الذهني الجيد وحالة الإبداع التي يسعى وراءها الخطاط تطلّب منه تدريباً دقيقاً وتركيزاً ذهنياً جيداً لتنمو لديه ملكة الملاحظة الدقيقة، وإن حيوية الخطوط العربية وميزة التعبير الفني في الحرف العربي جعلته عرضة لمحاولات العاملين في الحقل الفني الهادفة لتقديم أشكال جديدة مبتكرة للخطوط العربية منها المقروءة ومنها المجردة، واستطاع الخطاطون أن يستوعبوا هذه الميزات بفهم ودراية عندما اكتشفوا إمكانية كتابة عبارة واحدة بأشكال مختلفة وكل ذالك ترك باب التجديد والخلود اللذين هما شرطان أساسيان لكل فن مفتوحاً أمام مواكبة روح العصر. والتطور الواسع للخطوط العربية يشير وبدلالة واضحة إلى قدرة الخطاطين لمواكبة روح العصر الذي عاشوا فيه حيث تشير إليه المصادر التاريخية علماً أنّ الخطوط اللينة تولّدت من الخط الكوفي وإن الخطاطين العرب الأوائل ينسب إليهم اختراع هندسة الخطوط وإيجاد أنواع جديدة في الخط العربي كالطومار وخفيف الثلث وثقيل الثلث وغبار الحلية التي اندثر معظمها. كما أن الخطاطين الأتراك أوجدوا الخطوط الهيمايونية (الديواني والجلي الديواني ) واخترعوا كذالك الطغراء والسياقة، كما ينسب إلى الإيرانيين اختراع خط النستعليق، كل هذه التطورات عاشت عصرها وجعلت من الخط العربي أبهى جمالاً وأحلى حلة.
    التنافس المشروع: لحالة التنافس الشريف والمشروع أثرها البالغ في تطور أي جانب من جوانب الحياة والتنافس الذي حصل بين الخطاطين أدى إلى إتقان الخطوط العربية وتجويدها واستنباط حالة التجديد منها فكان من جرّاء ذلك أن وُلدت خطوط عربية جديدة واندثرت أخرى، وبرزت في مصر حركة إحياء الخط الكوفي واختراع التاج، ومن ثم الشروع بابتكار أساليب فنية مبسطة لتعليم الخط كما حصل في العراق وانتشار كراريس خطية لتعليم الناشئة وانتشار حركة المعارض الخطية هذه الأسباب وغيرها كانت وراء ظاهرة الابتكار والإبداع في الخط العربي.
    يعتبر الخط العربي أول الفنون في المجتمع الإسلامي لالتصاقه الوثيق بالثقافة ولسمو معانيه ودقة مراميه. وكانت رتبة الرسام والمهندس دونه بكثير، وكان الخطاط يكتب أولا ويملأ المساحة التي تناسب الكتابة لأنها هي المقصود الأول، ثم يأتي المزخرف فيرسم حول الكتابة الزخارف المناسبة، إلي أن جاء كمال الدين بـهزاد معاصر الدولة التيمورية والدولة الصفوية فكان يرسم أولاً ويترك محلاً مناسباً ليأتي دور الخطاط، وبهزاد كان خطاطاً بالإضافة إلى كونه أعظم رسام أنجبته تلك البلاد فكان بمقدوره أن يترك المساحة المناسبة للخط. ومن الأدلة على أنّ الخطاط كان أعلى الفنانين في المجتمع الإسلامي؛ أنه هو الفنان الوحيد الذي يوقّع على عمله وكان غيره نادراً ما يوقع، وأنّ المؤرخين اهتموا بحياة الخطاطين أكثر من غيرهم، بل إنّ الملوك كانوا يقرّبون الخطاطين ولا يستغنون عنهم ساعة واحدة، ونُقِلَ عن بعضهم أنهم كانوا يحملون الدواة والخطاط يكتب بحضرتهم، كالشاه عباس الأول الصفوي كان يحمل الدواة للخطاط علي رضا، والسلطان بايزيد الثاني العثماني كان يحمل الدواة للخطاط حمدان الأماسي، وكان بعض الملوك خطاطين كالشاه طهماسب الصفوي والسلطان أحمد والسلطان محمود الثاني والسلطان عبد الحميد والسلطان عبد العزيز من العثمانيين. وكان مرتب رئيس الخطاطين في الدولة العثمانية مرتب وزير، وما يزال الخطاط في إيران يُعتبر في طليعة الفنانين، وكان الملوك يحبون أن يستقطبوا الخطاطين في ممالكهم ويزينوا عرائس عواصمهم.وقد ذكر في التاريخ أنّ الشاه إسماعيل الصفوي حبس الخطاط محمود النيسابوري، والرسام بهزاد في مغارة حين شبت الحرب بينه وبين السلطان سليم الأول العثماني خوفاً من فرارهما إلي الدولة العثمانية. وحين استولى عبيد أزبك خان على هراة أخذ الخطاط الكبير والشاعر الشهير مير علي الهروي إلى بخارى بدون رضاه فأقام في بخارى إلي أن مات سنة 951هـ، وهكذا فعل السلطان سليم حين استولى على تبريز فقد أخذ منها ستين فناناً إلى استانبول ليجمّل بها عاصمة ملكه. حتى وصل الأمر بالخطاط أن يتيه دلالاً أمام الرؤساء بفنه وهو مرفوع الرأس عالي المكانة. وأذكر في ذلك قصة الخطاط سنكلاخ أحد خطاطي مدينة تبريز ومؤلف كتاب ( تذكرة الخطاطين ) كان قد طلب منه محمد علي باشا في مصر أن يكتب له قصيدة البردة لتنقش في جامعه الذي أنشأه في قلعة صلاح الدين بالقاهرة، وحين أرسل سنكلاخ الخط قال لرسوله: إن قام محمد علي باشا لخطي فسلم إياه و إلا فلا، وحين وصل الرسول إليه قام محمد علي باشا ومن معه تعظيماً لخط سنكلاخ فدفع إليه الخط. والذي عُرف أنّ محمد علي باشا أعظم رئيس في العصر الحديث ظهر في البلاد العربية أنجز ما لم ينجزه غيره في السلم والحرب.
    الخط العربي هو فن تشكيلي: إن من وصفه وصنفه في قائمة الفنون التطبيقية كان ذلك حين رأى الجمعيات الحرفية للخط العربي فظنه حرفة كباقي الحرف الوضيعة ولم يستيقظ هؤلاء من غفلتهم إلا بعد أن رأوا تقدير الغربيين للخط العربي ولا أدل على ذلك من طلب فرنسا من الحكومة السورية إقامة معرض للخط العربي في صالة العرض الكبرى في باريس عام 1976. وقد رأى الجميع كيف كان إعجاب ودهشة الزوار باللوحات المعروضة وكيف ينظرون إليها بعيون مسحورة لجمال تلك اللوحات، وقد طلبتْ أربع دول أوروبية إقامة ذلك المعرض في بلادها. ذلك أنهم وجدوا في الخط العربي ما توصلوا إليه أخيراً من أنّ الفن كل الفن يكمن في الفن التشكيلي التجريدي وأنّ الفن التطبيقي الواقعي مبتذل، وما يرسمه الفنان منه في سنة تصوِّره المصوِّرة في لحظة.
    وإذا أردنا أن نعرف حقيقة الخط العربي وعظمته في أعين الغربيين فلنستمع إلي بيكاسو زعيم الرسم الحديث إذ يقول: "إن أقصى ما وصلت إليه في فن الرسم وجدت الخط العربي قد سبقني إليه منذ أمد بعيد."
    فالفن التشكيلي إذن هو الفن الذي تحقََّق به أشكال جديدة علي يد الفنان التشكيلي فهو يبتكر ويبدع وينوّع في الأشكال ويحلّق في هذا التنويع دون محاكاة لأعمال الآخرين أو تقليد، ودون تقيّد بطريقة معينة أو قواعد مدونة وهذا يحتاج إلي خيال واسع ومراعاة لمقتضى الحال وتكيّف مع الحاجة المطلوب سدّها. ومن الفنون التشكيلية الرسم والنحت وكل عمل فيه تصميم وابتكار.أما الفن التطبيقي فهو الفن الذي يتقيّد فيه الفنان بتقليد عمل معين من أعمال غيره حتى يكون صورة مطابقة للأصل حتى كأنه قد طبّق صورة علي صورة ونقل منها. وهذا يحتاج إلي دقة في الملاحظة وقوة في اليد وإتقان في الأداء والتنفيذ. والفنان فيه تابع لأصله الذي ينقل منه دون أن ينصبَّ خياله في الجري وراء الجديد أو في انتقاء الأفضل من عدة خيارات، ومن الفنون التطبيقية التصوير والزنكوغراف والطباعة وكل عمل فيه محاكاة وتقليد.وتجدر الإشارة إلي أن العمل الفني يكون تشكيليا إذا كان بكراً لم يسبق إليه فإذا أُعيد مرّة ثانية بجملته وتفصيله كان عملاً تطبيقياً.
    فالخط العربي هو فن تشكيلي إذ لا بد فيه من توزيع كثافة الخطوط توزيعاً عادلاً، ولا بدّ فيه من اختيار الشكل الأنسب إذا كان هناك أمامه خيارات عدة. ولا نسلّم أنَّ الحرف في الكتابة لا يتبدل ولا يتغير بل إنّ الحرف الواحد تختلف أبعاده حسب موقعه من الكلمة وحسب موقعه من الشكل العام، فالحاء الأولية في خط الثلث مثلاً إذا جاء بعدها امتداد طالت إلي ست نقاط، والنون المفردة أو الأخيرة تكون أكثر من خمس نقاط إذا كان في جوفها حرف كالواو أو غيره، فإن كان جوفها فارغاً كانت بمقدار خمس نقاط فحسب. والخطاط قد يغير في شكل الحرف تغييراً يسيراً في بعض المواطن للحاجة وهو ما يسمّى في عرف الخطاطين بالتصرف. وقد يحتاج إلي تسمين الحرف تسميناً زائداً على ما تقتضيه قواعد الخط المتبعة إذا كانت الكتابة كبيرة وفي موضع بعيد عن الناظر وهو ما يسمّى بالخط الجلي، فإن كانت الكتابة صغيرة وقريبة من العين كانت نحافتها عادية على حسب القاعدة وهذا ما يسمى بالخط الخفي. وقد يعمد الخطاط إلي صبّ الكتابة في إطارٍ عام كالدائرة والمثلث والمربع والمستطيل والشكل البيضي أو الملّوز. وقد يخترع أشكالاً أخري لا حدَّ لها ولا حصر. وقد يحتاج إلي أن يركّب الحروف في طبقات متداخلة ثلاثة أو أكثر، وقد يفضّل التماثل والتناظر في بعض الحروف إن ساعده النص كالألفات واللامات والجيمات والحاءات والخاءات المفردة أو الأخيرة وكالميمات القائمة أو المائلة وكالكافات المنبسطة أو القائمة وغير ذلك مما ليس له حصر. فيقع الحرف في جهة اليسار نظير الحرف في جهة اليمين مما يكّون شكلاً عاماً رائعاً يأخذ بالألباب وينتزع الإعجاب. والأشكال والأوضاع للجملة الواحدة كثيرةٌٌٌٌ جداً لا تكاد تنتهي. وبذلك يمكن تركيب البسملة من مئات الأشكال. ولو طُلب من عدة خطاطين كتابة عبارة واحدة لكتبوها بأشكال مختلفة. ويندر جداً أن تتفق الخواطر على شكلٍ واحدٍ مما يدلُّ دلالةً قاطعةً على أنّ مجال الإبداع مفتوحٌ في الحروف ومفتوحٌ أكثر في الشكل العام الذي يتألف من الحرف. ولا يغيب عن البال أن الأبنية في البلد تختلف في الشكل والمساحة وإن كانت كلها مبنية من لَبِِن كله بمقاس واحد، فلا غرابة أن يختلف الشكل العام وإن كانت الحروف واحدة الشكل والنص واحد. فإن زاد التصرف والتغيير في الحروف حتى نكوِّن منها خطاً جديداً كان هذا الخط من الفن التشكيلي بغير نزاع.
    وقد مالت كثيرٌ من نقابات الفنون الجميلة في البلاد العربية إلي اعتباره واحداً من الفنون التشكيلية الرفيعة.
    وعلى الرغم من أن الخط العربي فن تشكيلي فإن هذا لا يمنع أن تكون هناك قواعد عامة للتشكيل في الخط كمراعاة أن تكون الكثافة في جميع النص واحدة وجعل الحروف الطويلة مثل الألف واللام والجيم المفردة ونحوها في الأسفل والحروف القصيرة مثل السين والدال والباء والفاء في الأعلى فتكون الطويلة حاضنة للقصيرة. ولا بدَّ من مراعاة ترتيب الحروف في النص بقدر الإمكان لاسيَّما إن كانت العبارة غير مشهورة بين الناس، ويستحسن مراعاة التناظر إن ساعدت الحروف في النص المراد كتابته، ومن القواعد كذلك أن تكون الكثافة في الأسفل أكثر منها في الأعلى قليلاً لأن الأسافل حوامل للأعالي كما في المباني يراعى فيها أن يكون أسفل البناء أقوى من أعلاه لأنه الحامل له. إلى اعتبارات كثيرة تكون في ذهن الخطاط بحسب ما يستدعيه المقام ولكل مقام مقال.
    وينبغي أن يعلم أنَّ قواعد التشكيل غير القواعد التي وضعها الخطاطون لكتابة الحروف وهي أيضاً قواعد مرنة في بعض الأحيان للمتمكن في الخط أن يتصرف فيها بما يناسب المقصود ولا يُخلُُّ بالجمال.
    الخصائص الجمالية لهذا الفن: إنّ تنوّع الخطوط العربية وتعدّد أشكالها منحها خصائص جمالية قلّما نشاهدها في خطوط الأمم الأخرى. فالخط العربي يعتبر أرقى وأجمل خطوط العالم البشري على وجه البسيطة فإنّ له من حسن شكله وجمال هندسته وبديع نسقه ما جعله محبوباً حتى لدى الأجانب الغربيين.
    إن البدايات الأولى للاهتمام بالخط العربي كان مبعثها المعرفة والتعلم ثم بعد ذلك وُضعت له القوانين والأسس الموضوعية والعلمية واختُرعت له الطرق والأساليب الابتكارية التي أضافت جمالية جديدة إليه

    وللتعرف على الأساسيات التي تدخل في صميم هذه الجمالية وخاصة تلك التي هي من طبيعة الخطوط العربية أو ناتجة عن عقلية الخطاط المسلم والعربي أو نابعة من وجدان وروح البيئة التي عاشها، ومعرفة هذه الأساسيات توضح لنا الجوانب الجمالية في هذا الفن وأهمها:
    مفردات وأشكال الخطوط العربية
    المرونة والمطاوعة
    المقياس والنسب
    الامتزاج الفني والروح في الخط
    قابلية الخطوط العربية على التشكيل
    التوثيق والتدوين
    كما أن هناك جمالاً معنوياً مضافاً يدركه المرء ببصيرته قبل البصر وهذا الجمال المعنوي هو فوق القواعد الخطية وهو أيضاً غير تناسب الحروف والكلمات، تلك هي روح الجمال أو بعبارة أخرى عبقرية الجمال ولا يدرك هذا الجمال المعنوي ولا يفهم جاذبيته إلا من علا حسّه المعنوي وذوقه الفني. لقد أدرك الفنان المسلم ما للجمال من وقع في النفوس فسخّر أقلامه لتزيين الآيات الكريمة فأطرب العيون بروعة إبداعاته التي استلّها من جمال روحه ورقة عاطفته.
    لكلّ عصرٍ خطاطيه المبدعين حيث تحمل الأنباء تجويدهم وامتيازهم على مدى الأيام ولكل عصر متقدم ميزة التجويد عن العصور التي سبقته وظهور مجاميع مميزة من الخطاطين لم تكن سهلة ميسورة بل جاءت بعد أن قضى هؤلاء شبابهم في الدأب والتحصيل والعناية بتجويد الحرف العربي وتهذيبه والتفنن بوصفه وتركيبه، عاشوا بسطاء مغمورين لذا كان من الأجدر الإشارة إلى قدراتهم الفنية العالية والتي تُنبىء عن مقدار ما بذلوه من جهود مضنية تجاه هذا الفن، وهؤلاء الخطاطون الذين نتناولهم بالبحث والدراسة ينتمون إلى أزمان وأماكن مختلفة ومدارس متنوعة لكنهم ينتظمون كاللآليء في سلك واحد هو الإبداع ويجمعهم جيد واحد هو ما أجادت أناملهم من روائع خطية سواء أكان على صعيد الابتكار في أساسيات الخط وأشكاله الجيدة أو على مستوى الإضافة النادرة الذكية في التكوين والإخراج فاقترنت بذلك أسماؤهم بأعمالهم تميزاً فيما عن غيرهم.
    لقد كان للمبدعين من الخطاطين في العصرين الأموي والعباسي اليد الطولى في ظهور الناحية الفنية والتي أخذت مساراً تصاعدياً في أزمان لاحقة.
    ومن أبرز الخطاطين المبدعين في العصرين الأموي والعباسي هم:
    خالد بن أبي الهياج:
    اشتهر هذا الخطاط بكثرة كتابته للمصاحف والتجويد بها بحيث أصبحت مؤشراً بارزاً في حياته الفنية.
    قطبة المحرر:
    لمع نجم هذا الخطاط في العصر الأموي, ويكاد أن يكون نموذجاً فريداً عند أهل الخط في زمانه, ينسب إليه الخروج من الشكل الكوفي إلى ما يقارب الشكل الذي هو عليه الآن, وكان المذكور أكتب أهل زمانه, وهو الذي اخترع القلم الطومار والقلم الجليل وهو ما نسميه الآن بالخط الجلي { الواضح}ْ
    لقد فتح قطبة بعلمه هذا باب الاستنباط والاختراع فأخذ كل كاتب يستخدم مواهبه الفنية في إيجاد قاعدة جديدة في الخط حتى كثرت أشكال الكتابة وتنوعت الخطوط أصولاً وفروعاً.
    ميزة إبداعه الفني: يبرز الإبداع الفني لدى الخطاط قطبة في قدرته على اختراع وابتكار قلمي الطومار والجليل
    الضحاك بن عجلان وإسحاق بن حماد:
    اشتهر هذان الخطاطان في جودة خطيهما, وهما من أهل الشام}الأول عاش في خلافة السفاح, وعاش الثاني في خلافة المنصور حتى أدرك المهدي{.
    ميزة إبداعهما الفني: يمتاز هذان الخطاطان بأنهما يخطان الجليل، فزاد الضحاك وزاد غيره وبلغ عدد الأقلام إلى أوائل الدولة العباسية اثني عشر قلماً، كما أنهما استطاعا أن يتعرفا وبصورة تفصيلية على ما يحمله ابتكار قطبة في الخط العربي من نواحي الإبداع الفني ويكشفا عن هذا الإبداع، وقد برزوا على من سبقهم من الخطاطين.
    إبراهيم الشجري:
    أخذ عن اسحق بن حمادة قلمه الجليل وهو أكبر الأقلام الذي كان يكتب بها واخترع منه خط الثلث وخط الثلثين.
    أبو علي محمد بن علي بن الحسين بن مقلة:
    خطاط بارز من خطاطي العصر العباسي. ولد في بغداد سنة 272 للهجرة, فهو الذي ابتكر القوانين والقواعد لكل حرف من حروف الخط العربي. وتتجلى ميزة إبداعه الفني في أنه أول من أطلق على قلم النسخ اسم البديع وأجاد خطاً عُرف بالدرج وكتب المصحف مرتين.
    علي بن هلال البغدادي :
    أخذ الخط في حداثة زمانه من محمد بن أسد ومن محمد بن السمسماني , من خطاطي العصر العباسي , بلغ الذروة في الإبداع والتطوير , وقد ملأ الدنيا بإبداعه وقوة قلمه كما امتاز خطه بالتنسيق وجمال التركيب.
    كما كانت لديه مواهب متعددة إلى جانب الخط كالتهذيب والتصفيح بنفس الوقت, ينسب إليه الخط المعروف بالمحقَّق.
    ياقوت المستعصم:
    ويلقّب بأبي الدر جمال الدين ياقوت المستعصم، اشتراه الخليفة العباسي المعتصم بالله، نشأ في دار الخلافة و بلغ مرحلة عالية فقصده الناس من كل حدب وصوب، أخذ عنه الكثيرون منهم نجم الدين البغدادي، شقّ هذا الخطاط طوراً جديداً في قاعدة سلفه ابن البواب، وكتب المصاحف والدواوين والأحاديث، توفي في بغداد سنة 698للهجرة بعد أن عمّ خطه في الآفاق.
    هذه اللمحات عن حياة أبرز الخطاطين في العصرين الأموي والعباسي توضح حالة الإبتكار لديهم وبنفس الوقت تفتح الطريق للكشف عن إبداعات خطاطين آخرين تم الكشف عنهم والإشارة إليهم وهم من أزمان مختلفة وأماكن متعددة انفردوا بابتكارات نادرة ميّزت أساليبهم عن بعضهم وكان تأثيرهم واضحاً في الحياة الفنية التي تواجدوا فيها مع قدراتهم العالية في ضبط الحروف والوعي بأشكاله المبتكرة.
    لقد كان من احتفاء الأتراك وتقديرهم للفنون أعظم مشجع للأساتذة الخطاطين على بذل همهم ومواصلة جهدهم لخدمة الخط والتفنن فيه وتشير المصادر التاريخية إلى أنّ أول انتقال للخط من العرب إلى الأتراك كان عن طريق الخطاط الشيخ حمد الله الاماسي، وقد تخرج على يد هذا الخطاط جيل من الخطاطين المبدعين الذين وصلوا هم وتلامذتهم ذروة الإبداع في مجال الخط العربي وبرز منهم خطاطون كبار ذاع صيتهم في العالم الإسلامي، لقد ابتكر هؤلاء الخطاطون أشكالاً وأنماطاً جديدة تنبض بالجمال والإبداع واستطاعوا أن يخترعوا خطوطاً لم تكن معروفةً سابقاً، وكانت تلك الإبداعات من أمهات أفكارهم وعبقرياتهم، ولم تنطفىء شعلة الخط العربي في الأتراك إلا عند استبدال الحرف العربي بالحرف اللاتيني سنة 1347 للهجرة ورغماً عن ذلك فلا يزال للخط العربي مكانته ولايزال يتخرج من بينهم خطاطون مبدعون، وبهذا يكون الخط العربي قد عاش بين الأتراك أكثر من خمسة قرون؛
    وعلى الرغم من كل ما حدث لهذا الفن فلا بد من الإشارة إلى أولائك الخطاطين المبدعين الذين لازالت آثارهم خالدة على مرّ التاريخ وشاهداً على عظمة إبداعهم واقتصرنا بالدراسة على أبرز الخطاطين المبدعين من الأتراك ويأتي في المقدمة منهم:
    حمد الله الأماسي- أحمد قره حصاري- مصطفى راقم- محمد شفيق بك – سامي محمد عبد العزيز- أحمد كامل- عبد القادر أحمد – عارف حكمت – مصطفى حليم- ماجد الزهدي- حامد الآمدي.


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 11:51 pm