رسالة في ليلة التنفيذ
الشاعر هاشم الرفاعي
________________________________________
• أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني *** والحبلُ والجلادُ ينتظراني
• هذا الكتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ *** مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ
• لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها *** وأُحِسُّ أنَّ ظـلامَها أكفاني
• سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ في *** هـذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني
• الليلُ مِنْ حَولي هُدوءٌ قاتِلٌ *** والذكرياتُ تَمورُ في وِجْداني
• وَيَهُدُّني أَلمي فأنْشُدُ راحَتي *** في بِضْـعِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ
• والنَّفْسُ بينَ جوانِحي شفَّافةٌ *** دَبَّ الخُشوعُ بها فَهَزَّ كَياني
• قَدْ عِشْتُ أُومِنُ بالإلهِ ولم أَذُقْ *** إلاَّ أخيراً لـذَّةَ الإيمـانِ
• والصَّمتُ يقطعُهُ رَنينُ سَلاسِلٍ *** عَبَثَتْ بِهِـنَّ أَصابعُ السَّجَّانِ
• مـا بَيْنَ آوِنةٍ تَمُرُّ وأختها *** يرنو إليَّ بمقلتيْ شيــطانِ
• مِنْ كُوَّةٍ بِالبابِ يَرْقُبُ صَيْدَهُ *** وَيَعُودُ في أَمْنٍ إلى الدَّوَرَانِ
• أَنا لا أُحِسُّ بِأيِّ حِقْدٍ نَحْوَهُ *** ماذا جَنَى فَتَمَسُّه أَضْغاني
• هُوَ طيِّبُ الأخلاقِ مثلُكَ يا أبي *** لم يَبْدُ في ظَمَأٍ إلى العُدوانِ
• لكنَّهُ إِنْ نـامَ عَنِّي لَحظةً *** ذاقَ العَيالُ مَرارةَ الحِرْمانِ
• فلَـرُبَّما وهُوَ المُرَوِّعُ سحنةً *** لو كانَ مِثْلي شاعراً لَرَثاني
• أوْ عادَ-مَنْ يدري- إلى أولادِهِ *** يَوماً تَذكَّرَ صُورتي فَبكاني
• وَعلى الجِدارِ الصُّلبِ نافذةٌ بها *** معنى الحياةِ غليظةُ القُضْبانِ
• قَدْ طـالَما شارَفْتُها مُتَأَمِّلاً *** في الثَّائرينَ على الأسى اليَقْظانِ
• فَأَرَى وُجوماً كالضَّبابِ مُصَوِّراً *** ما في قُلوبِ النَّاسِ مِنْ غَلَيانِ
• نَفْسُ الشُّعورِ لَدى الجميعِ وَإِنْ هُمُو ***كَتموا وكانَ المَوْتُ في إِعْلاني
• وَيدورُ هَمْسٌ في الجَوانِحِ ما الَّذي *** بِالثَّوْرَةِ الحَمْقاءِ قَدْ أَغْراني؟
• أَوَ لَمْ يَكُنْ خَيْراً لِنفسي أَنْ أُرَى *** مثلَ الجُموعِ أَسيرُ في إِذْعانِ؟
• ما ضَرَّني لَوْ قَدْ سَكَتُّ وَكُلَّما *** غَلَبَ الأسى بالَغْتُ في الكِتْمانِ؟
• هذا دَمِي سَيَسِيلُ يَجْرِي مُطْفِئاً *** ما ثارَ في جَنْبَيَّ مِنْ نِيرانِ
• وَفؤاديَ المَوَّارُ في نَبَضاتِـهِ *** سَيَكُفُّ في غَدِهِ عَنِ الْخَفَقانِ
• وَالظُّلْمُ باقٍ لَنْ يُحَطِّمَ قَيْدَهُ *** مَوْتي وَلَنْ يُودِي بِهِ قُرْباني
• وَيَسيرُ رَكْبُ الْبَغْيِ لَيْسَ يَضِيرُهُ *** شاةٌ إِذا اْجْتُثَّتْ مِنَ القِطْعانِ
• هذا حَديثُ النَّفْسِ حينَ تَشُفُّ عَنْ*** بَشَرِيَّتي وَتَمُورُ بَعْدَ ثَوانِ
• وتقُولُ لي إنَّ الحَياةَ لِغايَةٍ *** أَسْمَى مِنَ التَّصْفيقِ ِللطُّغْيانِ
• أَنْفاسُكَ الحَرَّى وَإِنْ هِيَ أُخمِدَتْ *** سَتَظَلُّ تَعْمُرُ أُفْقَهُمْ بِدُخانِ
• وقُروحُ جِسْمِكَ وَهُوَ تَحْتَ سِياطِهِمْ*** قَسَماتُ صُبْحٍ يَتَّقِيهِ الْجاني
• دَمْعُ السَّجينِ هُناكَ في أَغْلالِهِ *** وَدَمُ الشَّـهيدِ هُنَا سَيَلْتَقِيانِ
• حَتَّى إِذا ما أُفْعِمَتْ بِهِما الرُّبا *** لم يَبْقَ غَيْرُ تَمَرُّدِ الفَيَضانِ
• ومَنِ الْعَواصِفِ مَا يَكُونُ هُبُوبُهَا *** بَعْدَ الْهُدوءِ وَرَاحَةِ الرُّبَّانِ
• إِنَّ اْحْتِدامَ النَّارِ في جَوْفِ الثَّرَى *** أَمْرٌ يُثيرُ حَفِيظَةَ الْبُرْكانِ
• وتتابُعُ القَطَراتِ يَنْزِلُ بَعْدَهُ *** سَيْلٌ يَليهِ تَدَفُّقُ الطُّـوفانِ
• فَيَمُوجُ يقتلِعُ الطُّغاةَ مُزَمْجِراً *** أقْوى مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالسُّلْطانِ
• أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي*** أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟
• أمْ أنَّني سَأَكونُ في تارِيخِنا *** مُتآمِراً أَمْ هَـادِمَ الأَوْثـانِ؟
• كُلُّ الَّذي أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعي *** كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ في إِمْكاني
• لَوْ لَمْ أَكُنْ في ثَوْرَتي مُتَطَلِّباً *** غَيْرَ الضِّياءِ لأُمَّتي لَكَفاني
• أَهْوَى الْحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لا *** إِرْهابَ لا اْسْتِخْفافَ بِالإنْسانِ
• فَإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي *** يَغْلي دَمُ الأَحْرارِ في شِرياني
• أَبَتاهُ إِنْ طَلَعَ الصَّباحُ عَلَى الدُّنى *** وَأَضاءَ نُورُ الشَّمْسِ كُلَّ مَكانِ
• وَاسْتَقْبَلُ الْعُصْفُورُ بَيْنَ غُصُونِهِ *** يَوْماً جَديداً مُشْرِقَ الأَلْوانِ
• وَسَمِعْتَ أَنْغامَ التَّفاؤلِ ثَـرَّةً *** تَجْـري عَلَى فَمِ بائِعِ الأَلبانِ
• وَأتـى يَدُقُّ- كما تَعَوَّدَ- بابَنا *** سَيَدُقُّ بابَ السِّجْنِ جَلاَّدانِ
• وَأَكُونُ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مُتَأَرْجِحَاً *** في الْحَبْلِ مَشْدُوداً إِلى العِيدانِ
• لِيَكُنْ عَزاؤكَ أَنَّ هَذا الْحَبْلَ ما *** صَنَعَتْهُ في هِذي الرُّبوعِ يَدانِ
• نَسَجُوهُ في بَلَدٍ يَشُعُّ حَضَارَةً *** وَتُضاءُ مِنْهُ مَشاعِلُ الْعِرفانِ
• أَوْ هَكذا زَعَمُوا! وَجِيءَ بِهِ إلى *** بَلَدي الْجَريحِ عَلَى يَدِ الأَعْوانِ
• أَنا لا أُرِيدُكَ أَنْ تَعيشَ مُحَطَّماً *** في زَحْمَةِ الآلامِ وَالأَشْجانِ
• إِنَّ ابْنَكَ المَصْفُودَ في أَغْلالِهِ *** قَدْ سِيقَ نَحْوَ الْمَوْتِ غَيْرَ مُدانِ
• فَاذْكُرْ حِكاياتٍ بِأَيَّامِ الصِّبا *** قَدْ قُلْتَها لي عَنْ هَوى الأوْطانِ
• وَإذا سَمْعْتَ نَحِيبَ أُمِّيَ في الدُّجى*** تَبْكي شَباباً ضاعَ في الرَّيْعانِ
• وتُكَتِّمُ الحَسراتِ في أَعْماقِها *** أَلَمَاً تُوارِيهِ عَـنِ الجِيرانِ
• فَاطْلُبْ إِليها الصَّفْحَ عَنِّي إِنَّني *** لا أَبْتَغي مِنَها سِوى الغُفْرانِ
• مازَالَ في سَمْعي رَنينُ حَديثِها *** وَمقالِها في رَحْمَةٍ وَحنانِ
• أَبُنَيَّ: إنِّي قد غَدَوْتُ عليلةً *** لم يبقَ لي جَلَدٌ عَلى الأَحْزانِ
• فَأَذِقْ فُؤادِيَ فَرْحَةً بِالْبَحْثِ عَنْ *** بِنْتِ الحَلالِ وَدَعْكَ مِنْ عِصْياني
• كـانَتْ لهـا أُمْنِيَةً رَيَّـانَةً *** يا حُسْنَ آمالٍ لَها وَأَماني
• وَالآنَ لا أَدْري بِأَيِّ جَوانِحٍ *** سَتَبيتُ بَعْدي أَمْ بِأَيِّ جِنانِ
• هذا الذي سَطَرْتُهُ لكَ يا أبي *** بَعْضُ الذي يَجْري بِفِكْرٍ عانِ
• لكنْ إذا انْتَصَرَ الضِّياءُ وَمُزِّقَتْ *** بَيَدِ الْجُموعِ شَريعةُ القُرْصانِ
• فَلَسَوْفَ يَذْكُرُني وَيُكْبِرُ هِمَّتي *** مَنْ كانَ في بَلَدي حَليفَ هَوانِ
• وَإلى لِقاءٍ تَحْتَ ظِلِّ عَدالَةٍ *** قُدْسِيَّةِ الأَحْـكامِ والمِيزانِ
الشاعر هاشم الرفاعي
________________________________________
• أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني *** والحبلُ والجلادُ ينتظراني
• هذا الكتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ *** مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ
• لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها *** وأُحِسُّ أنَّ ظـلامَها أكفاني
• سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ في *** هـذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني
• الليلُ مِنْ حَولي هُدوءٌ قاتِلٌ *** والذكرياتُ تَمورُ في وِجْداني
• وَيَهُدُّني أَلمي فأنْشُدُ راحَتي *** في بِضْـعِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ
• والنَّفْسُ بينَ جوانِحي شفَّافةٌ *** دَبَّ الخُشوعُ بها فَهَزَّ كَياني
• قَدْ عِشْتُ أُومِنُ بالإلهِ ولم أَذُقْ *** إلاَّ أخيراً لـذَّةَ الإيمـانِ
• والصَّمتُ يقطعُهُ رَنينُ سَلاسِلٍ *** عَبَثَتْ بِهِـنَّ أَصابعُ السَّجَّانِ
• مـا بَيْنَ آوِنةٍ تَمُرُّ وأختها *** يرنو إليَّ بمقلتيْ شيــطانِ
• مِنْ كُوَّةٍ بِالبابِ يَرْقُبُ صَيْدَهُ *** وَيَعُودُ في أَمْنٍ إلى الدَّوَرَانِ
• أَنا لا أُحِسُّ بِأيِّ حِقْدٍ نَحْوَهُ *** ماذا جَنَى فَتَمَسُّه أَضْغاني
• هُوَ طيِّبُ الأخلاقِ مثلُكَ يا أبي *** لم يَبْدُ في ظَمَأٍ إلى العُدوانِ
• لكنَّهُ إِنْ نـامَ عَنِّي لَحظةً *** ذاقَ العَيالُ مَرارةَ الحِرْمانِ
• فلَـرُبَّما وهُوَ المُرَوِّعُ سحنةً *** لو كانَ مِثْلي شاعراً لَرَثاني
• أوْ عادَ-مَنْ يدري- إلى أولادِهِ *** يَوماً تَذكَّرَ صُورتي فَبكاني
• وَعلى الجِدارِ الصُّلبِ نافذةٌ بها *** معنى الحياةِ غليظةُ القُضْبانِ
• قَدْ طـالَما شارَفْتُها مُتَأَمِّلاً *** في الثَّائرينَ على الأسى اليَقْظانِ
• فَأَرَى وُجوماً كالضَّبابِ مُصَوِّراً *** ما في قُلوبِ النَّاسِ مِنْ غَلَيانِ
• نَفْسُ الشُّعورِ لَدى الجميعِ وَإِنْ هُمُو ***كَتموا وكانَ المَوْتُ في إِعْلاني
• وَيدورُ هَمْسٌ في الجَوانِحِ ما الَّذي *** بِالثَّوْرَةِ الحَمْقاءِ قَدْ أَغْراني؟
• أَوَ لَمْ يَكُنْ خَيْراً لِنفسي أَنْ أُرَى *** مثلَ الجُموعِ أَسيرُ في إِذْعانِ؟
• ما ضَرَّني لَوْ قَدْ سَكَتُّ وَكُلَّما *** غَلَبَ الأسى بالَغْتُ في الكِتْمانِ؟
• هذا دَمِي سَيَسِيلُ يَجْرِي مُطْفِئاً *** ما ثارَ في جَنْبَيَّ مِنْ نِيرانِ
• وَفؤاديَ المَوَّارُ في نَبَضاتِـهِ *** سَيَكُفُّ في غَدِهِ عَنِ الْخَفَقانِ
• وَالظُّلْمُ باقٍ لَنْ يُحَطِّمَ قَيْدَهُ *** مَوْتي وَلَنْ يُودِي بِهِ قُرْباني
• وَيَسيرُ رَكْبُ الْبَغْيِ لَيْسَ يَضِيرُهُ *** شاةٌ إِذا اْجْتُثَّتْ مِنَ القِطْعانِ
• هذا حَديثُ النَّفْسِ حينَ تَشُفُّ عَنْ*** بَشَرِيَّتي وَتَمُورُ بَعْدَ ثَوانِ
• وتقُولُ لي إنَّ الحَياةَ لِغايَةٍ *** أَسْمَى مِنَ التَّصْفيقِ ِللطُّغْيانِ
• أَنْفاسُكَ الحَرَّى وَإِنْ هِيَ أُخمِدَتْ *** سَتَظَلُّ تَعْمُرُ أُفْقَهُمْ بِدُخانِ
• وقُروحُ جِسْمِكَ وَهُوَ تَحْتَ سِياطِهِمْ*** قَسَماتُ صُبْحٍ يَتَّقِيهِ الْجاني
• دَمْعُ السَّجينِ هُناكَ في أَغْلالِهِ *** وَدَمُ الشَّـهيدِ هُنَا سَيَلْتَقِيانِ
• حَتَّى إِذا ما أُفْعِمَتْ بِهِما الرُّبا *** لم يَبْقَ غَيْرُ تَمَرُّدِ الفَيَضانِ
• ومَنِ الْعَواصِفِ مَا يَكُونُ هُبُوبُهَا *** بَعْدَ الْهُدوءِ وَرَاحَةِ الرُّبَّانِ
• إِنَّ اْحْتِدامَ النَّارِ في جَوْفِ الثَّرَى *** أَمْرٌ يُثيرُ حَفِيظَةَ الْبُرْكانِ
• وتتابُعُ القَطَراتِ يَنْزِلُ بَعْدَهُ *** سَيْلٌ يَليهِ تَدَفُّقُ الطُّـوفانِ
• فَيَمُوجُ يقتلِعُ الطُّغاةَ مُزَمْجِراً *** أقْوى مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالسُّلْطانِ
• أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي*** أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟
• أمْ أنَّني سَأَكونُ في تارِيخِنا *** مُتآمِراً أَمْ هَـادِمَ الأَوْثـانِ؟
• كُلُّ الَّذي أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعي *** كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ في إِمْكاني
• لَوْ لَمْ أَكُنْ في ثَوْرَتي مُتَطَلِّباً *** غَيْرَ الضِّياءِ لأُمَّتي لَكَفاني
• أَهْوَى الْحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لا *** إِرْهابَ لا اْسْتِخْفافَ بِالإنْسانِ
• فَإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي *** يَغْلي دَمُ الأَحْرارِ في شِرياني
• أَبَتاهُ إِنْ طَلَعَ الصَّباحُ عَلَى الدُّنى *** وَأَضاءَ نُورُ الشَّمْسِ كُلَّ مَكانِ
• وَاسْتَقْبَلُ الْعُصْفُورُ بَيْنَ غُصُونِهِ *** يَوْماً جَديداً مُشْرِقَ الأَلْوانِ
• وَسَمِعْتَ أَنْغامَ التَّفاؤلِ ثَـرَّةً *** تَجْـري عَلَى فَمِ بائِعِ الأَلبانِ
• وَأتـى يَدُقُّ- كما تَعَوَّدَ- بابَنا *** سَيَدُقُّ بابَ السِّجْنِ جَلاَّدانِ
• وَأَكُونُ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مُتَأَرْجِحَاً *** في الْحَبْلِ مَشْدُوداً إِلى العِيدانِ
• لِيَكُنْ عَزاؤكَ أَنَّ هَذا الْحَبْلَ ما *** صَنَعَتْهُ في هِذي الرُّبوعِ يَدانِ
• نَسَجُوهُ في بَلَدٍ يَشُعُّ حَضَارَةً *** وَتُضاءُ مِنْهُ مَشاعِلُ الْعِرفانِ
• أَوْ هَكذا زَعَمُوا! وَجِيءَ بِهِ إلى *** بَلَدي الْجَريحِ عَلَى يَدِ الأَعْوانِ
• أَنا لا أُرِيدُكَ أَنْ تَعيشَ مُحَطَّماً *** في زَحْمَةِ الآلامِ وَالأَشْجانِ
• إِنَّ ابْنَكَ المَصْفُودَ في أَغْلالِهِ *** قَدْ سِيقَ نَحْوَ الْمَوْتِ غَيْرَ مُدانِ
• فَاذْكُرْ حِكاياتٍ بِأَيَّامِ الصِّبا *** قَدْ قُلْتَها لي عَنْ هَوى الأوْطانِ
• وَإذا سَمْعْتَ نَحِيبَ أُمِّيَ في الدُّجى*** تَبْكي شَباباً ضاعَ في الرَّيْعانِ
• وتُكَتِّمُ الحَسراتِ في أَعْماقِها *** أَلَمَاً تُوارِيهِ عَـنِ الجِيرانِ
• فَاطْلُبْ إِليها الصَّفْحَ عَنِّي إِنَّني *** لا أَبْتَغي مِنَها سِوى الغُفْرانِ
• مازَالَ في سَمْعي رَنينُ حَديثِها *** وَمقالِها في رَحْمَةٍ وَحنانِ
• أَبُنَيَّ: إنِّي قد غَدَوْتُ عليلةً *** لم يبقَ لي جَلَدٌ عَلى الأَحْزانِ
• فَأَذِقْ فُؤادِيَ فَرْحَةً بِالْبَحْثِ عَنْ *** بِنْتِ الحَلالِ وَدَعْكَ مِنْ عِصْياني
• كـانَتْ لهـا أُمْنِيَةً رَيَّـانَةً *** يا حُسْنَ آمالٍ لَها وَأَماني
• وَالآنَ لا أَدْري بِأَيِّ جَوانِحٍ *** سَتَبيتُ بَعْدي أَمْ بِأَيِّ جِنانِ
• هذا الذي سَطَرْتُهُ لكَ يا أبي *** بَعْضُ الذي يَجْري بِفِكْرٍ عانِ
• لكنْ إذا انْتَصَرَ الضِّياءُ وَمُزِّقَتْ *** بَيَدِ الْجُموعِ شَريعةُ القُرْصانِ
• فَلَسَوْفَ يَذْكُرُني وَيُكْبِرُ هِمَّتي *** مَنْ كانَ في بَلَدي حَليفَ هَوانِ
• وَإلى لِقاءٍ تَحْتَ ظِلِّ عَدالَةٍ *** قُدْسِيَّةِ الأَحْـكامِ والمِيزانِ